طفلنا الداخلي وشجاعة القرار. بقلم الأديبة والإعلامية نزهة عزيزي // الجزائر //
طفلنا الداخلي وشجاعة القرار. منذ مدة وانا احاول مطاردة رؤوس أفكاري على حواف الورق والارق، فالكتابة عندي لا تتوقف على زمن ما، بل على رهص ممكن ان يغمرني في اي وقت، منذ مدة لم تغمرني نوبات الكتابة، انتابتني وانا انتظر رفيقتي القادمة من الصين في مطار الجزائر العاصمة، كنت سعيدة بذلك الاحساس فإذا بي ألتقي الكلمات، كنت انتظر طائرات الأفكار لتحط على مطارات ورقي، حتى أنه لما رنت اختي وسيلة على هاتفي رحت ابشرها كما يبشر طبيب بحمل ميؤوس منه، باني اكتب مقالا جديدا. كنت سعيدة لاني أخرج من وعكة الصمت التي أصابت قلمي منذ فترة. على شاشة هاتفي كنت استمتع بكل نقرة على لوح موبايلي، كانت خلايا الإبداع تستيقظ من كسل قارب السنة. إتصلت بدكتور علي لعيبي لاعايده بالسنة الجديدة، كان صوته الابوي الغليظ بكل سيقار الارق يأتيني خلف شمس بغداد الدافئة، هناك أصوات تحمل الابتسامة حتى وإن كنت لا ترى وجوه اصحابها وعلي عنوانه ابتسامة، دائما دردشتنا موقوتة بعناصر الإنسانية البحثة رغم المسافات التي تبعد الجزائر و فرنسا عن العراق ورغم شوقي للجلوس في مقهى من مقاهي شارع المتنبي رفقة كادر المجلة حول مواضيع مختلفة ومتنوعة، أكتفي بعد المكالمة بسماع ماجد المهندس ونصوص اغانيه التي تلبس كل أناقة اللهجة العراقية مع بلاغة وفصاحة اللغة العربية. قال د. علي لماذا لا تكتبين شيء عن شجاعة القرار في الحياة، موضوع متشعب وواسع كبحر، فقلت له وهل نملك فعلا القرار دائما ؟ وإذا ملكناه هل نتعس به أم نسعد؟ لو تناولت مثلا قوة القرار في تغيير حياتنا من أين نبدأ؟ ولماذا نحتاج لقوة كبيرة للابحار على أمواج خوفنا والوثوب على قوارب طفلنا الداخلي الذي يحتاج ان نتصالح معه ونحبه كثيرا. لقد بحثت مطولا في علم نفس لافهم من هو الطفل الداخلي وما مدى تأثيره على إتخاد القرارت في حياتنا. سمعت ورايت محاضرات كثيرة على اليوتيوب وغيرها من مصادر المعلومات إلا أن أكثرهم إقناعا المعالجة النفسية مريم العزيم من بلجيكا، فهي متودلوجيه وعلمية في تفسيرها وطرحها لاشكالية الطفل الداخلي وكيف نصل إلى التوازن النفسي بمعرفته وفهمه وإرضائه ليتناغم ليس مع نفسه فحسب بل مع الكون. أدركت أننا مصدر طاقتين الطاقة الايجابية و طاقة السلبية وان تاريخنا الشعوري يخزن الخيبات والأفراح ويعتق الألم. تدعونا مريم العزيم بتدريج جميل لعدم تعتيق الألم نحن خلقنا لاداء مهمة ما على كل واحد منا ان يجد مهمته لماذا خلقت ماهي رسالتي في الحياة ولماذا مررت بكل هذه التجارب؟ وما هو سر نجاحي او فشلي؟ وهل انا متزن وسعيد بحياتي هل أنا مصدر لسعادة الاخر؟ فلسفة كبيرة وجودية، ولن افتح هنا الباب على جدلية السعادة. لكن إقتراح مريم العزيم لتقبلنا للرسائل الإلهية هو نوع من الرضا، فهي ترى في التجارب المؤلمة بوابات لمعرفة الذات، فكل ما يحدث معك لا يحدث عبثا، على كل شخص معرفة الحكمة من التجربة التي يمر بها ويسعى لتطهير نفسه من الداخل ويحبها ويتلطف بها واذا حدث ذلك فستكون من الخطوات الأولى للتقرب نحو التوازن، وهنا أعود مرة أخرى إلى صلب موضوعي إمتلاك شجاعة القرار. نحن دائما نمتلك قوة التغيير في أنفسنا قبل أن نطلب من الاخر ان يتغير ولماذا نطالبه بالتغيير الا نحاول إرضاء أنفسنا قبل أن نفكر في إرضائه؟ أعتقد أن قوة القرار تعود دائما للموروت التربوي ولنشاة الشخص ودرجة تحرره وإستقلاليته نفسيا وماديا وحتى عاطفيا. وعندما أصل للقرار العاطفي اتوقف برهة هل القرار العاطفي قرار يتطابق مع العقل سؤال يحتمل الخطأ والصواب هناك الكثير من الأشخاص الذين يفضلون عقلنة العواطف التي مصدرها القلب والقلب لا يخضع للعقل فهو يتقلب ولا يعترف بنواميس العقل فنحن لا نبرم اتفاقنا معه كلما أحببنا، ولا نملك اي قدرة على برمجته كما نريد ونشتهي. لكن الأكيد اننا نملك القدرة على الخروج من الألم لانه ليس قدرا. الغريب ان الموروث الثقافي والاجتماعي هو من يبلور شجاعة القرار، مثلا في ذهنيتنا العربية على الإنسان أن يتكيف مع معطيات واقعه فتجد المرآة او الرجل لا يملكون في أغلب الأحيان الشجاعة على تغيير حياتهم مثلا المرآة بفطرة الامومة والحب الغير مشروط لاولادها لا تملك الشجاعة للانفصال عن زوج لم تعد تحبه، وتجد رجل لا يقوى على الانفصال عن زوجته لنفس الأسباب رغم تعاسته. فنحن امه مازوشية على ذكر أحلام مستغانمي نتمتع بالعذاب. قررت صديقتي كريستال الانفصال عن زوجها بعد عشرون سنة من الزواج والجميل في الأمر انها قالت لي خلف عينيها الزرقاوتين الجميلتين، لقد كنت سعيدة جدا لاني كنت احضن نفسي وحريتي واول ليلة قضيتها في شقتي بعد الانفصال كانت أهدأ ليلة في حياتي. كان يلزم كرستال عشرين سنة لكي تلملم شجاعتها لتنفصل، ماذا عن الالاف من الأرواح المعذبة في زواج أو في علاقة فاشلة؟ تخضع لإرضاء المحيط والآخرين لا لإرضاء الارادة الفعلية الداخلية للفرد. التفكير الغربي في الحب تفكير عملي وتحرري مبدأه عدم الكذب على ذاتك، من هنا تأتي شجاعة القرار االعاطفي وكل القرارات الأخرى. نحن في مجتمعاتنا العربية نكذب على أنفسنا، والحكام يكذبون علينا، والاوطان تكذب علينا، فنعيش نلملم الخيبات الواحدة تلو الأخرى ونقنع أنفسنا بأنه عين الصواب، فمن أين نأتي بشجاعة التغيير ونحن نسكت صوت طفلنا الداخلي الذي لم يعد يتحمل إهمالانا لما يريد حقا. التعاسة ليست في فقدانك للاشياء والقلوب، بل التعاسة ان تعتقد انك تحسن صنعا، فطفلك سيكون حتما سعيدا إذ كنت انت سعيدا، بقيت هذة الجملة تدق عنق كل معتقداتي وقناعاتي، ربما لم افدك عزيزي القارئ بشيء جديد. لكن اكون قد أثرت إنتباهك إلى نفسك قليلا، لذلك كن رفيقا بطفلك الداخلي وتأكد انه مصدر طاقتك الايجابية كلما إعتنيت به. نزهة عزيزي الجزائر 31/12/2019
تعليقات
إرسال تعليق