التدخين حلال بقلم :- الشاعر عبدالزهرة خالد …… العراق //
التدخين حلال
بقلم :- عبدالزهرة خالد
———————
أربعة عشر خريفاً لم تخلق له سعادة ولا تبني له بيتاً من خشب بل هي مجرد ابتكارات من الطين والكارتون وألعاب في خرق بالية . كان ينتظر العطلة الصيفية بفارغ الصبر وخطط برامجاً للعب لم تغطيها أوقات الفراغ أثناء الدراسة والامتحانات .
في الصباح الأول من العطلة استيقظ مبكراً كالعادة قبل الساعة السابعة وبعد تناول كوبه مسرعاً وقطعة من رغيف مغمس بالزبدة والسكر بيده اليسرى ، لم يجد إلا صديقه الفقير بعدما أحصى أصدقاءه المتواجدين في ظلال الحائط لبيت جيرانه ،لقد تبين أن أغلبهم ذهبوا للعمل منذ الفجر فذا يدفع عربته ليحمل صناديق الفواكه والخضر والآخر يحمل قدر فيه باقلاء مسلوقة بلون بني يغري الرضاب بعدما يُقدم الماعون بإضافة الخل و(البطنج )لغاية المغرب لم يجد أثراً عليهم لكن بعد العشاء تجمع الجميع للعب شتى اللعب منها الكرة والغميضة وقصص الخيال باءت بالفشل خططه المدروسة .
في الصباح التالي هو وأخوه وصديقهما غادروا منازلهم للعمل لدى بنّاء القصور في حي معروف بمكانته وعند الانتهاء في ظهيرة اليوم لم يحصلوا على الأجر إلا بعد الساعة السادسة مساء حينما جاء صاحب القصر ليوزع عليهم الدراهم السبعة أجرة العمل بعد أن يغطي كفه بعبائته الخفيفة السوداء وعلى ما يعتقد أنه يشك بطهارة الدراهم المعدنية . مصير هذه الدراهم قعر علبة الزيت التي تستخدم في حفظ النفط للطباخ و( البريمز ) .
قبل أن يكمل مناقشة صديقه يحفر في ذاكرته ( الحرية قناعة ) حتى العبد عندما يكون مملوكاً يشعر بحريته أثناء دورانه في باحة الدار ومن غرفة إلى غرفة ، كذلك السجين عند ساحة السجن تكمن الحرية فيعبث بها من خلال مزاحه وكركراته مع رفاقه قررا أن يبحثا مكانا آخر للحرية غير حمل الطابوق والأسمنت ..
من هنا أنطلق إلى بيع الحلويات يدور بين مرآب بغداد والأقضية ، ينظر على وجوه المسافرين اليانعة ليقضوا وطراً من العطلة في مدينة أخرى ، عند الظهيرة غلقت الدكاكين أبوابها ولم يبق إلا النزر اليسير من المحلات وقت الغداء والقيلولة في صيف لاهب والشهر السابع يجمع الصبية على ضفتي دجلة ليتمتعوا في سباحة نهرية لحين أمهاتهم تلملم ثيابهم وتتعالى الأصوات حول العودة ..
النخلة السامقة وقفت ترتب لهم ظلالها والسعف يهفهفُ بنسيم وبين لحظة وأخرى ترمي من أعذاقها تمرات شبه راوية من شعاع الشمس تتسابق عليها الأيادي لتطعم ذاك الفم الجائع المملوء بالصيحات عن بضاعته التي مالت إلى الذبول من شدة الحرّ والدوران .
كان هناك شيخ كبير يلعن أبنه ( ……) كل حين يوصيه على حراسة ( جنبره ) المكدس بعلب السيكاير فيسارع الحارس الجديد بإشعال سيكارةً من عود الثقاب على أن لا يترك أثراً للعلب وحينما يقبل الشيخ تختبئ الأشياء ، ينظر مرة أخرى متى يحتاج المرافق الصحية ليعاود الكرة في التدخين ، قبيل الغروب ينتهي النهار لم يربح غير التدخين وبقايا من ( كيك ) ليطعم بها أخواته ، تذكر أنه أعطى للشيخ واحدة دون أن يأخذ ثمنها لذا أفتى أن تدخينه كان حلالاً .
في أيلول عندما تخرج الدراهم المخزونة من فتحة علبة النفط لشراء ملابس المدرسة عدا القرطاس ..
————-
البصرة / ٩-١-٢٠٢٠
تعليقات
إرسال تعليق