صَدِيقُ مَرَامَ العَجِيبُ بقلم الاستاذة ميَّادة مهنَّا سليمان/ سوريا //
صَدِيقُ مَرَامَ العَجِيبُ
ابتَدأَ الفَصلُ الدِّراسِيُّ الثَّاني، وكانَ التَّلاميذُ قدِ اشتاقوا لمعلِّمةِ اللغةِ العربيَّةِ اللطيفةِ.
وَكانتِ المُعلِّمَةُ قدْ لاحَظَتْ ضَعفًا في مواضيعِ التَّعبيرِ الأدبيَّةِ، وَسَأَمًا لَدى طُلَّابِ الصَّفِّ الخَامِسِ فِي كِتَابَتِها، ولا سيَّما بسببِ مواضيعِ الكتابِ التَّقليديَّةِ.
قَرَّرتِ المُعَلِّمَةُ أَنْ تُحَفِّزَ التَّلاميذَ، فَطلَبتْ مِنهُم كِتابةَ موضوعٍ عنْ صَديقٍ يُحِبُّونَهُ، كي تُعطيَهُم فُسحةً منَ الحُريَّةِ، وقالتْ:
- ليسَ بالضَّرورةِ أنْ يكونَ الصَّديقُ إنسانًا؛ فبِإمكانِكمُ أنْ تكتُبوا عن حيوانٍ أليفٍ، أو نبتةٍ زرعتُموها، أو كتابٍ يؤنِسُ وِحدَتَكُم، اختاروا ما تحبُّونَهُ يا أبنائِي.
تهلَّلتْ وجوهُهُم فرَحًا، بعدَ أنْ تابَعَتْ:
- وسَأُكَرِّمُ صاحِبَ أجمَلِ موضوعٍ فأختَارُ موضوعَهُ لأكتُبَهُ في مجلَّةِ الحائطِ، وسيُنشَرُ في مجلَّةِ (المواهبِ الصَّغيرَةِ) عدَا عن تكريمِهِ في حفلِ تكريمِ المُتفوِّقينَ.
تحمَّسَتْ مرامُ كثيرًا، فقدِ اعتادَتْ أنْ تجذبَ أسماعَ الطُّلَّابِ حينَ تقرأُ مواضيعَها، وعادتْ للمنزِلِ مسرورةً، وهيَ تُفكِّرُ عمَّنْ ستكتُبُ، كي تَحظَى بِاهتمامِ مُعلِّمَتِها.
في الأسبوعِ التَّالي، استمتَعَتِ المُعلِّمةُ بِمَواضيعَ جميلةٍ للغايةِ، فمنهُم من كتبَ عن قِطَّتَهِ الصَّغيرةِ، أو عنْ عُصفورٍ يُربِّيهِ، وآخرونَ عن شُجيرةٍ، أو وردةٍ، أو قريبٍ لهُم، أو طفلٍ يلعبونَ معَهُ.
لكنَّ مرامَ فاجأتِ الجميعَ بِصَدِيقِها، فما إنْ قالتْ:
سأُحدِّثُكمُ اليومَ عنْ صديقيَ المفضَّلِ( طبيبِ الأسنانِ)
حتَّى علتِ الوجوهَ دهشةٌ كبيرةٌ، بما فيها المُعلِّمةُ، وكَأنَّ كُلَّ واحِدٍ يقولُ في سِرِّهِ:
- وهلْ يُعقَلُ أنْ يكونَ طبيبُ الأسنانِ صديقًا؟!
فكانَ الجوابُ حينَ أتمَّتْ مرامُ القراءةَ:
- ستعجبونَ يا أصدِقائي، فأنتمْ ترسمونَ في مخيِّلاتِكم صورًا مُخيفةً لذاكَ الطَّبيبِ، وتظُنُّونَ أنَّهُ سيستقبِلُكُم والإبرةُ في يدِهِ، وسيُذيقُكم الآلامَ الكبيرةَ.
أصدقائي: لقدِ اعتَدتُ أن أزورَ طبيبَ الأسنانِ، مُذْ شعَرتُ بألمٍ بسيطٍ في أحدِ أسناني.
في البدايةِ تردَّدتُ، بل رفضتُ الذَّهابَ معَ أبي، لكِنَّ شقيقاتي شَجَّعنَني، وقالتْ لي أُمِّي:
-إنْ لمْ تذهبي الآنَ، سيزدادُ التَّسوُّسُ، وستشعُرينَ بِألمٍ عندَ الطَّبيبِ حينَ ستضطرِّينَ الذَّهابَ بِحالةٍ إسعافيَّةٍ.
فكَّرتُ هُنيهةً، فقطعَ أبي الصَّمتَ قائِلًا:
- بُنيَّتي: لنْ تندمِي على هذه الزِّيارةِ الجميلةِ، لمْ أعهَدكِ جبانةً، هيَّا سأنتظِرُكِ في السَّيَّارةِ.
فتشجَّعتُ، ورافقتُهُ، وفي الحقيقةِ أُصِبتُ بالذُّهولِ، فقدْ كانَ طبيبُ الأسنانِ لطيفًا جِدَّا، جميلَ الوجهِ، ساحِرَ الابتِسامةِ، صافحَني بِحَرارةٍ ومُذْ جلَسْتُ قالَ لي:
- خَمِّني، ماذا أُهدِي ضُيوفيَ الصِّغارَ؟
فأجبتُ على الفَورِ:
- قِطَعًا منَ الشُّوكولا، أو السَّكاكرِ، أوِ البيسكويت.
فابتسمَ قائِلًا:
- لا، بلْ هذهِ!
تفاجأتُ فقدْ أعطانِي فُرشاةَ أسنانٍ حمراءَ جميلةً.
وحينَ فحصَ سِنِّي، لمْ أشعُرْ بِأيِّ ألمٍ لِأنَّ التَّسوَّسَ كانَ في بِدايتِهِ.
وعِندَما مضَيتُ وعدتُهُ ألَّا أُكثِرَ منْ تناولِ الحلوى، وأن أُنظِّفَ أسناني ثلاثَ مرَّاتٍ في اليومِ.
فابتسمَ مودِّعًا، ثمَّ سألَني:
- هلْ عيادتِي مُرعِبةٌ، وهلْ أنا مُخيفٌ؟
قلتُ بِحرجٍ- فقدْ علِمتُ أنَّهُ شعرَ بِخوفي حينَ دخَلتُ-:
- لا أبدًا، سأزورُكَ دومًا، ولنْ أخافَ!
ومن يومِها، ونحنُ صديقانِ أزورُهُ كُلَّ فترةٍ كي أطمَئِنَّ على أسناني، وكي أستمتعَ بحديثِهِ اللطيفِ معي.
وما إنِ انتهتْ مرامُ حتَّى صفَّقتِ المُعلِّمةُ والتَّلاميذُ لها
فرُغمَ طولِ موضوعِها، لم يشعُرْ أحدٌ بالمللِ وهي تقرأُ.
وكانت مرامُ الفائزةَ بصاحبةِ أجملِ موضوعٍ، وأجملِ صديقٍ، وحظِيتْ بِنَشرِ موضوعِها، وبِاهتمامٍ جميلٍ
من أسرةِ المدرسةِ في حفلِ تكريمِ المتفوِّقينَ.
ميَّادة مهنَّا سليمان/ سورية
تعليقات
إرسال تعليق