نحيب الخريف بقلم الاستاذ رعد الإمارة /العراق //
(نحيب الخريف)تخشبت اصابعي على سلم البناية! كانت تقف هناك،في أعلى السلم مرتدية بنطالا ضيقا، فيما ارتفعت ياقة قميصها السمائي فإنساب الإغراء من بين نهديها الصغيرين المكورين.اخذت أنظر إليها، أو بالأحرى أخذت اختلس النظر إليها، أما نبضات قلبي المريض أصلا ،فإنها أخذت تتزايد بوتيرة متصاعدة. كانت في هذه الأثناء تداعب ضفيرتها الشقراء بأصابعها وتحدق بي مثل قطة ماكرة، تفعل هذا في أغلب الأيام. أخذت ارتقي درجات السلم فيما كانت ساقاي تصطكان مع بعضهما تحتي، وبذلت ما بوسعي فأشحت بنظراتي بعيدا عنها، وعندما حاذيتها تماما، تبعني عطرها الطفولي النذل. كنت متمددا على سريري المتواضع في غرفتي وبكامل ثيابي، فيما أخذت عيناي تتابعان المروحة في دورانها البطىء الجالب للنعاس، وأخذت استعيد في ذهني حوادث اليوم الذي مضى أغلبه ،وتوقفت عند ذات الضفيرة الشقراء، ابتسامتها الماكرة، وبياض بشرتها، ثم طريقة وقوفها في أعلى السلم، بذلك الانحناء العذب لجسدها الطفولي الذي كان يخطو خطوات واثقة صوب النضوج. صباحا بكرت في النهوض،اغتسلت، ومشطت شعري، وقررت مع نفسي بإن تناول الفطور في الخارج سيكون أمرا لطيفا، لذا نظرت بسخرية لأبريق الشاي الذي امتلأ بالخيبة فيما كنت أسير من أمامه مترنما بلحن خفيف لفيروز. عندما أغلقت الباب واستدرت بجسدي كان ثمة مفاجأة طفولية لعينة تنتظرني هناك، يارب السماء، ستقتلني هذه الصبية الشقراء حتما!!كانت في طريقها للصعود وهي تنوء بحملها تحت ثقل الأكياس المتعددة، أدركت إنها قد بكرت بالذهاب للمول القريب، وضعت الأكياس حالما رأتني وتنهدت وهي تنفخ بقوة في وجهي مباشرة، لكنها ابتسمت مع ذلك، رمشت بعيناي عدة مرات، كانت ابتسامتها صافية هذه المرة.
-هل تريدين مساعدة، دعيني أحمل عنك بعضا من هذه الأكياس.
-لا ليست ثقيلة، إنها درجات السلم، تشعرني بالغيظ فهي كثيرة.
أخذت أراقب حركاتها فيما كانت تتحدث بصوت موسيقي حلو غلب عليه الغضب الطفولي المعتاد،وفيما كنت ذائبا تماما إذا بصوت يناديها من الأعلى، كانت أمها على الأرجح، قطبت حاجبيها وهزت كتفيها ثم عادت لحمل الأكياس، أخذنا نحدق في بعضنا للحظات وهالني جمال عينيها العسليتين، حاولت قول شىء، أي شىء، لكن لم يكن ثمة حرف قد بقي على لساني، تحركت قدماها للأعلى فيما ظلت اقدامي مسمرة في درجة السلم اللعينة، سمعتها تقف على بعد خطوات، رفعت نظري للأعلى،همست لي بصوتها الطفولي
-عمو كن حذرا وأنت تهبط درجات السلم هذا.
ثم غمزت بعينها بطريقة طفولية قبل أن تختفي.
للحظات طويلة بقيت عيناي معلقتان في المكان الذي كانت الصبية الشقراء تقف عنده، وكانت الدهشة قد علت ملامح وجهي تماما، ولا أعرف كيف هبطت الدرجات اللعينة هذه، كنت مذهولا عن كل شىء من حولي، أما الخيبة فكانت قد تمكنت تماما مني، وفي رأسي الفارغ هذا لم يكن يرن فيه سوى كلمة واحدة، عمو، عمو!!!
بقلم /رعد الإمارة /العراق
تعليقات
إرسال تعليق